العملات الرقمية: حلال أم حرام؟

أكتبُ هذه المقالة في غرة رمضان لعام 1446هـ، الموافق لعام 2025م، أي بعد مرور قرابة عشر سنواتٍ على دخولي سوق العملات الرقمية كمُتداول. وكمسلمٍ، مثل سائر المسلمين، أسعى دائمًا إلى التحرّي عن الحلال والحرام في هذا المجال. وقد بدأتْ قصتي منذ تعرّفي على البتكوين عام 2015م.

في ذلك الوقت، حاولتُ جاهدًا أن أبحث عن الحكم الشرعي للبتكوين: هل هو حلال أم حرام؟ وقد استغرق مني هذا البحث وقتًا، إلى أن تمكّنتُ في السنة نفسها (2015) بالتعاون مع أحد الأصدقاء من طلاب العلم، من الوصول إلى إجابةٍ اطمأننتُ إليها شخصيًا. وفي الوقت نفسه، كان هناك بعضُ أهل العلم قد حرّموا البتكوين، وكنتُ أظنّ أنّ السبب قد يعود إلى سوء فهمٍ أو إلى أنّ المعلومة نُقلت للمفتي بصورةٍ غير دقيقة.

ومع مرور السنوات، تغيّرت بعضُ الفتاوى حيال البتكوين، فأجازَه كثيرون ممّن كانوا يرَونه حرامًا بعدما اتضحت لهم حقيقته. وهنا أؤكد أنّني لا أُحلِّل ولا أُحرِّم؛ فأهل العلم أدرى بالفتوى، ولستُ منهم، ولا أبحث عن أيّ مشاهداتٍ في هذا الموضوع أبدًا.

منذ أن بدأتُ صناعة المحتوى التعليمي في مجال العملات الرقمية نحو عام 2016م، يتكرّر عليّ سؤال: “هل العملات الرقمية حلال أم حرام؟” وكانت إجابتي دائمًا: “اسأل أهل العلم، اسأل من تثق بعلمهم.” وسبب ذلك خوفي من الله عز وجل أن أُحرّم ما أحلّ الله أو أُحلّل ما حرّم الله بجهلٍ مني، والعياذ بالله.

وقد عاهدتُ نفسي على ألّا أشرح أمرًا لا أُجيزه لنفسي. على سبيل المثال، العقود الآجلة (الفيوتشر) في العملات الرقمية، فأنا لا أستخدمها ولم أشرحها قطّ، وحُكمُها الشرعي إن كنتَ صادقًا في سؤالك فعليك طرحه على أهل العلم، لا على صانعي المحتوى في شبكات التواصل الاجتماعي، سواءً كنتُ أنا أو غيري.

أمّا مسألة العملات الرقمية عمومًا، فهي شبيهةٌ بأسواق الأسهم؛ فكما أنّ في سوق الأسهم الأمريكي شركاتٍ تعمل في الخمور أو القمار وغيرها -وهو أمر واضح الحكم للجميع- فإنّ العملات الرقمية كذلك؛ فيها مشاريعٌ ظاهرة الحرمة، وفيها أخرى تحتاج إلى بحثٍ أعمق للتأكّد من خلوّها من الرِّبا أو أي محظورٍ شرعي. وعليه، لا بُدّ لك من بذل الجهد في البحث والسؤال.

وللأسف الشديد، نظرًا لحداثة سوق العملات الرقمية وغياب جهةٍ رقابيةٍ واضحة عليه، استغلّ بعضُ ضعاف النفوس هذا الوضع لسلك طريقٍ غير سويّ، كالادّعاء بأنّ هذه العملة حرام أو تلك حلال وفق من يدفع أكثر، والعياذ بالله. لذا أنصحك ألّا تُسلِّم عقلك لأيٍّ كان؛ إن سمعتَ بعملةٍ قيل إنّها حرام، فابحث عن سبب التحريم، والعكس صحيح.

لا أقصد بكلامي شخصًا محدّدًا، بل أتحدّث بشكلٍ عام. وعلى من أراد التحرّي عن الحلال والحرام أن يسأل من يثق في علمه وتقواه إذا التبس عليه أمرٌ ما في أيّ عملةٍ رقمية.

وفي الختام: إن سألتني: “هل العملات الرقمية حلال أم حرام؟”

فإجابتي: عليك بسؤال أهل العلم المعتبرين، فهم أهل الفتوى. أمّا أنا فلا أستطيع أن أُحرّم ما أحلّ الله، ولا أن أُحلّل ما حرّم الله بجهلٍ مني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *